خواطر حزينه طويله
لم أكن أتخيل يومًا أن حالتي هذه ستكون بسببك بالذات. لطالما كنت لي جسرًا للسعادة، رمزًا للأمل ومستقبلًا لطالما طمحت له. لكنك تحولت إلى ألم نقي أعيشه بكل تفاصيله وأتجرعه مرغمًا.
رغم قسوة ما أمرّ به، هناك وجه غريب لهذا الحزن يجعلني أشعر أنه الأفضل. فحين اخترت الحفاظ على كرامتي وعدم إهدار المزيد من عمري في علاقة معك، كان الطريق هذا هو ما يجب أن أسلكه رغم ما أصابني من وجع.
كنت أتمنى لو لم أحملك على الجدّية يوم فارقتني ولم أستمع إلى كلامك الذي أصبح اليوم يشكل نتيجته هذا البؤس الذي يفوق قدرتي على التحمل. ومع ذلك، فإن حزني الذي يستنزفني في كل لحظة أصبح مألوفًا لي، بل صرت أفضله، وأفضّل اختياره مرارًا على خيار العودة إليك. العودة للجحيم الذي كنت إنسانه الأساسي ليست خيارًا أبدًا.
كلما استعدت ذكرى لقائنا الأخير شعرت بأن الأحزان تضيف عليّ أحمالًا جديدة قد لا تحتملها روحي. ما هي إلا أيام تفصلني عنك، لكنها والله تبدو لي كسنوات طويلة تقضي على بقايا قوتي.
ها أنا الآن أحاول جاهدًا ترميم الكسر الذي تركته خلفك، ظننت لوهلة أنني أفتح لك باب قلبي، لكنني أدركت لاحقًا أن ما فتحته لم يكن سوى شق في الجدار، شق يصعب إصلاحه.
الحزن هو تلك المشاعر العالقة التي تستوطن القلب ولا تزول مهما حاولنا انتزاعها. علينا الانتظار بصبر حتى تتلاشى من تلقاء نفسها، عساها تضعف مع مضي الوقت وشيء من الابتسامات المرهقة التي نحصل عليها بعد عناء.
ما يؤلم القلب بعمق هو غياب الآخرين دون سبب واضح، أن يختاروا فجأة طريقًا آخر دون تفسير أو كلمة اعتذار تنير لنا سبب انطفائهم عن حياتنا.
الحياة مع الحزن تشبه التعايش مع شخص عجوز يفوقنا عمرًا ودراية؛ قليل الكلام، بطيء الحركة، لكنه دائم الحضور ولا يمكن تجاهله أو نفي وجوده.
مشكلتنا أننا غالبًا ما نعرف مسبقًا أن الطريق الذي نسلكه سينتهي بنا إلى الألم والحزن، ورغم ذلك نستمر في السير عليه بحماسة طفولية نتعلق ببضع لحظات من الفرح في البداية.
أطلب منك الآن خدمة أخيرة، أن تساعدني على نسيانك وتجاوز كل اللحظات التي جمعتنا، وأن تقنع السعادة التي رافقتك لئلا تعود إلي بصورة حزن مرير يحاصرني.
لا أدري كيف استطعت حتى هذه اللحظة مواصلة الطريق دون أن أنهار، الحزن كان وما زال يسكنني منذ زمن بعيد، شوه داخلي وأفقدني معنى الفرح.
باتت السعادة بالنسبة لي كسرابٍ بعيد أصعب من أن أصل إليه، وإن رأيته لا أسعى نحوه كما يفعل الآخرون، بل أختار اللجوء إلى حزني الذي صار مألوفًا لي وألفته أكثر مما ينبغي.
أتأمل في أولئك الذين يملكون القدرة على كبح جماح الحنين؛ هذا الشعور الذي يتسلل إلى الفراش في جنح الليل، يجعله المكان الأقرب إلى الروح والأقصى عن واقع الحياة.
مهما حاول الآخرون التخفيف من وطأة الحزن علينا، فإننا وحدنا من يحمل مسؤولية التغلب عليه بالصبر والثقة بالله رغم ما يكلفنا ذلك من قوة وجهد.
أبدو أمام الجميع وكأنني غير مكترث بما يجري حولي، لكن الحقيقة هي أنني أخفي عمق الجرح الذي يسكن قلبي وأسعى لتغطية حزني بالصمت والتجاهل.
أعرف جيدًا أن عليّ التكيف مع هذا الحزن طوال سنين حياتي، وأن أظهر قوياً أمام الناس مهما عجزت نفسي عن تحمل هذا الدور.
لم أختَر الحزن يومًا، بل كان نتيجة اختيارات الآخرين الذين وضعت فيهم ثقتي وأحببتهم بصدق، أولئك الذين كنت أظن أنهم أقرباء الروح.
وفي كل مرة يزورني الحزن سأعود إلى أول مكان جمعني بك، إن أردت أنت أن تنتزع هذا الحزن من قلبي فلديك علمٌ بمكان وجودي.
اليوم، يبدو وكأن حياتي أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أنت أو الحزن. ومع اختفائك المفاجئ عن عالمي، لم يترك لي الحزن مفرًّا. أصبح هو خياري الوحيد، ملاذي المظلم.
ومع ذلك، لا أحمّلك اللوم. على العكس تمامًا، أشعر أن علي شكرك لأنك جلبت لي رفيقًا مخلصًا لا يرحل عني أبدًا. لا يخذلني كما فعلت أنت. فالحزن بارع في مرافقتي بشكل يفوق إخلاصك لي.
من لم يجرب ألم الحزن بنفسه، لن يعرفه مهما سمع عنه في الحكايات أو رآه في الأعمال الفنية. لذا، لا تلوموني حين أصبحت غارقًا فيه. إنه يناديني كل يوم، ويبدو أن علي دائمًا أن أجيبه.
لقد فارقتك رغماً عني، لأن القرار لم يكن بيدي آنذاك. ومنذ تلك اللحظة، وأنا أعيش في عزلة مغمورة بحزن يستحيل وصفه. شيء يتجاوز القدرة على التعبير.
كل يوم يمضي في غيابك يصبح أكثر ثقلاً على صدري. أشعر بثقل الوقت وبأني أكاد أن أفقد نفسي بالكامل. ومع ذلك، المشكلة الأكبر أنني لا أستطيع العودة إليك مجددًا رغم كل ذلك. يبدو أن كل الدروب توصدت في وجهينا.
